إدارة المواهب

في العصر الذي نعيشه اليوم أصبحت إدارة المواهب أمر حتمي، وبذلك ظهر صراع بين المنظمات حول امتلاك المواهب وتوظيفها لخدمة أهدافها، وأصبحت تعمل على اقتراح الآليات اللازمة لتوفير البيئة التنظيمية الملائمة لنمو تلك المواهب، مما يجعل إدارة المواهب من أهم الأولويات لدى الكثير من المنظمات في الوقت الحالي[1]، فقد أدت حدة المنافسة وزيادة التحديات التي تواجهها المنظمات ومتطلبات العصر الحديث من الجودة والتميز، إلى سعي هذه المنظمات لامتلاك نوع عالي ومتميز من الموارد البشرية الموهوبة ذات القدرات العالية والمهارات الفائقة، باعتبارها المورد القادر على الابداع والابتكار والتميز وقيادة المنظمة للنجاح، ويتطلب هذا المورد التعامل معه بشكل خاص، وهذا ما أدى إلى ظهور مفهوم إدارة المواهب[2].
أولاً: مراحل ظهور إدارة المواهب:
تتمثل مراحل ظهور إدارة المواهب فيما يلي[3]:
المرحلة الأولى: إدارة التأهيل: كانت في سنوات السبعينات إلى الثمانينات من القرن العشرين، حين كان الأداء يُقاس من خلال الإنتاجية، وكانت وظيفة الموارد البشرية تمثل وظيفة أعمال، وكانت تسمى إدارة الأفراد لأنها تقوم فقط بتأهيل الأفراد لخدمة أهداف المنظمة والامتثال للمهام المحددة لهم مع إبداء الولاء لمنظمتهم، فالعامل يبيع وقته للمنظمة، فهو يبرم معها عقود الأجر مدى الحياة، أما فيما يخص المسار المهني فإن أساسه الخبرة والأقدمية، ونجد أن أفراد هذه المرحلة يعطى لهم اسم “الجيل الأول”.
المرحلة الثانية: إدارة الكفاءات: برزت هذه الإدارة في الثمانينات من القرن العشرين ومازالت إلى يومنا هذا محل اهتمام العديد من المنظمات، إذ عرفت هذه المرحلة تغيرات وتعقيدات كثيرة واشتداد المنافسة، مما فرض واقعاً جديداً لها يتمثل بزيادة اهتمامها بالمورد البشري واعتباره أهم مورد بالنسبة لها، وانتقلت الإدارة التي تحكمها من مجرد وظيفة أعمال إلى شريك أعمال، إذ أصبح الاهتمام أكثر حول عمليات الإبداع والابتكار وإبراز قدرات الأفراد واستثمار طاقاتهم الفكرية من أجل القدرة على مواجهة كل تلك التعقيدات، وسمي أفراد هذه المرحلة “الجيل الثاني”.
المرحلة الثالثة: إدارة الموهبة: شاع استخدام عبارة حرب المواهب تعبيراً عن المنافسة الشديدة بين المنظمات لجذب المواهب، فمصطلح “إدارة المواهب” ظهر أول مرة عام (1998) من خلال مقال نشره (David Watkins) كتطور لمفهوم إدارة الموارد البشرية، حيث أصبح أفراد هذه المرحلة يطلق عليهم أفراد “الجيل الثالث”، إذ تيقنت المنظمات أن مواهب الأفراد هي التي تؤهلها لمواجهة كل التعقيدات وحالات عدم التأكد الذي يشهده القرن الحادي والعشرين.
ويوضح الشكل التالي مراحل ظهور إدارة المواهب:


منح دراسية
النوع: كتاب (pdf) لأهم المنح الدراسية العالمية
مُتاح عبر “مدونة فرحان”
سنة النشر: 2021
*-يُرجى تفقد البريد الوارد أو البريد غير الهام، حيث سيتم إرسال الكتاب عبر البريد الإلكتروني المسجل به.
وبحسب الشكل السابق تظهر إدارة المواهب كمرحلة إضافية في ممارسات المنظمات، وهي لا تحل محل إدارة الكفاءات وإنما تكملها، بمعنى تعايش النماذج الثلاث مع بعضها البعض، وهذا لا يعني استعمال أدوات النماذج الأولى في إدارة المواهب، حيث أكد ذلك أحد أكثر قادة الأعمال شهرة وهو (Jack Welch) الرئيس التنفيذي لشركة “جنرال الكتريك”، الذي صرح بما يلي: “إن من الخطأ الاستراتيجي الذي يقع فيه المديرين أنهم يحاولون تنفيذ استراتيجيات الجيل الثالث بوسائل الجيل الثاني وعقلية الجيل الأول”.
ثانياً: مفهوم إدارة المواهب:

تعد الموهبة موضوع مهم، إذ أن العصر الذي نعيشه الآن هو عصر علم ونبوغ معرفي مذهل يعتمد في أساسه على تخطي الحواجز وتغيير المألوف وإبداع جديد متطور دائماً، ولا يتسنى ذلك للمجتمعات النامية إلا بالاعتماد على دور كل فرد من أفرادها عامة والموهوبين خاصة، فتقدم الأمم ورقيها مرهون بتقدم فكرها وانتاجها العلمي والتقني، أما بالنسبة لمفهوم المواهب في اللغة والاصطلاح فهي:
لغة: المواهب معناها اللغوي كما ورد في (لسان العرب) أخذ من الفعل (وهب) أي أعطى شيئاً مجاناً، فالموهبة إذاً هي العطية للشيء بلا مقابل، أما كلمة موهوب في اللغة فقد أتت أيضاً من الأصل (وهب)، فهو إذن الإنسان الذي يمنح شيئاً بلا عوض.
اصطلاحاً: المواهب هي قدرة متميزة وذاتية، ولكنها تتميز بالخصوصية، والمواهب تختلف عن الهواية، فالمواهب توجد لدى الفرد منذ نشأته لكنها تتبلور عن طريق التدريب والتزود بالمعرفة، أما الهواية فنستطيع أن نكسبها ونولدها داخل نفوس الأطفال ولكن لابد أن نراعي مسألة تقاربها وتناسبها مع إمكانيات الطفل ورغباته، وتلعب الموهبة دوراً إيجابياً في حياة الإنسان فهي تساعده على تحقيق ذاته[4].
أما بالنسبة لمصطلح إدارة المواهب فقد تم صياغته من قبل (David Watkins) عام (1998) عندما نشر مقاله بعنوان “الحرب من أجل المواهب”، بعدها قامت مجموعة من الباحثين لاحقاً بنشر كتاب بعنوان (The War for Talent)، وبرزت هذه الإدارة في البداية لتحسين عملية التوظيف وتطوير المهارات اللازمة لتلبية الاحتياجات التنظيمية الحالية، وبمرور الوقت تطورت جنباً إلى جنب مع مسؤولياتها المتزايدة، وتم دمجها مع أهداف واستراتيجيات المنظمة[5]، وقد ظهرت العديد من التعريفات الخاصة بإدارة المواهب، ومن أهم هذه التعريفات ما يلي[6]:
-هي عملية تطوير وتوحيد وتكامل بين كافة ممارسات إدارة رأس المال البشري التي يتم تبنيها داخل المنظمة من أجل ضمان أفضل لاستقطاب (وجذب) العناصر البشرية التي تمتلك قدرات ومهارات ومعارف متميزة للعمل داخل منظمة ما.
-هي عملية الجذب المنهجي، التنمية، المشاركة والاحتفاظ بالأفراد ذوي الامكانات العالية والذين لهم قيمة خاصة بالمنظمة.
-هي أنظمة مصممة لتحسين عمليات توظيف وتطوير الأفراد والاحتفاظ بذوي المهارات المطلوبة والاستعداد لتلبية الاحتياجات التنظيمية الحالية والمستقبلية.
-هي واحدة من الوظائف الأساسية لإدارة الموارد البشرية والتي لها دوراً استراتيجياً كبيراً في المنظمات.
-العمل على ضمان استقطاب أفضل الموارد البشرية والتي تمتلك قوة فكرية ومواهب متميزة للعمل داخل المنظمات، ومن ثم تمكينها وتطويرها والاحتفاظ بها، بهدف تحقيق الفعالية والكفاءة للأداء بالمنظمة.
ثالثاً: أهمية إدارة المواهب:

أصبحت منظمات الأعمال في اقتصاد المعرفة اليوم أكثر اعتماداً على القدرات والابتكار والاندماج الخاصة بالعاملين لديها، وأصبح النجاح التنافسي عبارة عن دالة لقابليات أو قدرات المنظمة، وبالشكل الذي يُمكِّن مواهبها الفريدة من العاملين أن يساهموا بابتكار فرصاً للتعاون والتواصل والتفاعل مع الآخرين، كما يشير بعض الباحثين إلى أن إدارة المواهب هي إدارة ذات أهمية استراتيجية وتساعد على تحقيق التميز في أداء الأعمال في المنظمات، ومما يلاحظ في أهمية إدارة الموهبة أنها تركز على الأفراد ذوي الأهمية المدركة للموارد غير الملموسة في الاقتصاد المعرفي وكان للنقص الكبير في مجال المواهب الإدارية والضغط للمنافسة الأثر البالغ في زيادة الحاجة والأهمية لإدارة المواهب[7]، كما أن إدارة المواهب تمثل الطاقة التي تحرك المواهب وتدفعها نحو العمل المبدع والمتميز وتزيد من جاذبية المنظمة، كما أنها تساعدهم على تنمية توجيه ميولهم المهني ومهاراتهم، وبالتالي إتاحة الفرص المناسبة لملئ الوظائف بأفضل الكفاءات وبالسرعة المطلوبة، كل هذا يؤدي لرفع مستوى رضاهم وطموحاتهم، ويقلل من خطر انتقالهم لمنظمات أخرى، كما أن تبني المنظمات لإدارة المواهب يؤدي إلى بناء قدرات العاملين، وفي نفس الوقت فإن الأداء الناجع الذي يبني الميزة التنافسية يعتمد على كفاءة هؤلاء الأفراد وقدراتهم[8].
رابعاً: أبعاد إدارة المواهب:

عند النظر إلى التطورات المتلاحقة في النظام الاقتصادي العالمي نرى أن المنافسة اليوم قد اشتدت بين المؤسسات، حتى بات البقاء والنجاح هدف استراتيجي لهذه المؤسسات، فهناك مؤسسات تسعى إلى جذب موظفين موهوبين والبعض الآخر يسعى إلى المحافظة عليهم، وهذا ما يسمى بحرب المواهب وذلك من خلال الاستثمار في الموارد البشرية ووضع نظام لإدارة هذه المواهب، وبشكل عام يتلخص نظام إدارة المواهب في الأبعاد (العناصر) التالية[9]:
- جذب الموهوبين: على المنظمة أن تسعى إلى بناء علامة تجارية ومكانة جيدة من أجل جذب العمالة إليها، ويتلخص ذلك في تقديم نتائج إيجابية قابلة للقياس الكمي والنوعي، ونتيجة لذلك ستتمكن من جذب أفضل الأفراد إليها.
- اختيار الموهوبين: ينبغي على المنظمة تنفيذ برنامج جديد لاختيار الموهوبين، وتستخدم لذلك الأدوات المناسبة لاختيار الأفراد المناسبين على أساس الكفاءات والمواهب والأداء العالي.
- استبقاء المواهب: ينبغي التمسك بهؤلاء الأفراد الموهوبين والأساسيين، فهم الذين يقودون المنظمة للنجاح في المستقبل والذين لا تقدر على تضييعهم، فتكلفة استبدال الموظف المربح للمنظمة والذي يضيف قيمة لها مكلف جداً، والمنظمة تحتاج لتصميم استراتيجيات للاحتفاظ بالموهوبين كنظام المكافأة على الأداء العالي، وتوفير فرص التنمية.
- الاعتراف بالموهوبين: وذلك بتقديم تقارير تقييمية للموظفين عن أعمالهم ومعرفة طموحاتهم ومصالحهم، ومحاولة اكتشاف نقاط القوة لديهم وتشجيعهم على اكتشاف مواهبهم الكامنة والتعبير عنها.
يمكن متابعة صفحة المدونة على فيسبوك للحصول على كل جديد
https://web.facebook.com/Mohanad.Alfarhaan
خامساً: محددات إدارة المواهب:

هناك عدة عوامل تساعد وتساهم في نجاح إدارة المواهب، وهي تتمثل فيما يلي[10]:
-ارتباط وتوافق إدارة المواهب مع استراتيجية المنظمة وتعزيز مكانتها في الإدارة العليا للمنظمة باعتبارها شريك.
-إدارة الموهبة تنظر للأفراد على أنهم المصدر الرئيسي للتطوير والإبداع، وتبعاً لذلك فإن العمال والوظائف الفردية والمخصصة في إدارة الوظائف هي من الأولويات التنظيمية المتوقعة، وهذا من خلال الاستخدام المكثف لنماذج الكفاءات الوظيفية للأدوار المختلفة، وتدعيم المنظمة بالمزيد من المواهب.
-شمولية إدارة المواهب لجميع المستويات الإدارية، إذ لا تتعلق بتجديد القادة المستقبليين فقط بل تتعلق بجميع المستويات، وهذا ما يجعل الأداء متناسق في كل منظمة.
-الاستثمار في تطوير مكامن المواهب وليس في جميع الشرائح الوظيفية، وذلك بتحديد مجال ونطاق المواهب المطلوبة لتنفيذ الاستراتيجيات.
-وضع الموهبة المناسبة في المكان المناسب، ويكون ذلك باتخاذ قرارات صائبة في التوظيف والترقية ومتابعة المسار والتعاقب الوظيفي للأفراد، والتركيز على المهام الفعلية في مكان العمل.
-تكامل العناصر والأدوات التي تعزز النجاح وجعل بيئة العمل أكثر ملائمة لإظهار المواهب، وهذا باستخدام أنواع متعددة من أطر وأدوات مختلفة عن تلك الموجودة في الإدارة التقليدية للموارد البشرية.
كما توجد عدة تحديات تواجه الموظفين الموهوبين من أهمها[11]:
- الشعور بالملل في تحويل الأفكار إلى أعمال.
- الحيرة اتجاه المهام وعدم القدرة على ضبط النفس.
- كثرة الأفكار وعدم توفر الوقت الكافي لتطويرها وتنفيذها.
- صعوبة التعامل مع الأشياء التي ليس لهم اهتمام بها.
- عدم التأكد من نجاح العمل والبحث دائماً عن سبيل آخر لإنجاحه.
- أن تكون مبدعاً وقتما يريدك الآخرون أن تكون كذلك.
- إقناع الغير بجدوى الأفكار.
- دفع الآخرين إلى رؤية ما يدور داخل أذهانهم وتقديره حق قدره.
- قيادة الآخرين وعدم القدرة على إدراك الهدف.
- صعوبة التحكم بالشعور بخيبة الأمل نتيجة استغراق وقت طويل لفهم واستيعاب الأفكار من طرف الموظفين الآخرين.
- حتمية الحفاظ على مستوى الإنجازات المحققة حتى تتناسب مع توقعاتهم وتوقعات الآخرين.
- صعوبة استخدام الموهبة والاستفادة منها.
- الكم الهائل من الأفكار واختفاءها في حالة عدم القدرة على تطبيقها وتنفيذها.

هل استفدتم من المقالة:
اذا استفدتم من هذه المقالة لا تنسوا دعمنا من خلال مشاركة المقالة مع المهتمين، أيضاً لا تنسوا الاحتفاظ بالمقالة في قائمة “المفضلة” للرجوع إليها لاحقاً.
المصادر
[1]- وهيبة، مقدود، (2015)، إدارة المواهب ضرورة حتمية لمنظمات القرن الحادي والعشرين لخدمة استراتيجياتها، مجلة معارف، العدد 19، ص128.
[2]- فاطنة، بلقرع، (2018)، مساهمة إدارة المواهب في تحقيق الفعالية التنظيمية، مجلة إدارة الأعمال والدراسات الاقتصادية، العدد 7، ص95.
[3]- وهيبة، مقدود، (2015)، مرجع سبق ذكره، ص131-132.
[4]- العبيدي، أرادن والتميمي، إيلاف، (2017)، تأثير إدارة المواهب في تحقيق الريادة الاستراتيجية: دراسة تحليلية في الشركة العامة للصناعات الجلدية، مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد 111، ص99.
[5]- المركهي، جيمس، والمحمود، سعد، (2018)، تطوير الموارد البشرية مدخل في إدارة المواهب: دراسة استطلاعية لآراء عينة من القيادات الإدارية في جامعة دهوك التقنية، مجلة العلوم الإنسانية، المجلد 6، العدد 3، 856.
[6]- فاطنة، بلقرع، (2018)، مرجع سبق ذكره، ص101-102.
[7]- العبيدي، أرادن والتميمي، إيلاف، (2017)، مرجع سبق ذكره، ص100.
[8]- وهيبة، مقدود، (2015)، مرجع سبق ذكره، ص135.
[9]- مقري، زكية، ويحياوي، نعيمة، (2014)، أثر إدارة المواهب على أداء المؤسسة من خلال الالتزام التنظيمي: دراسة ميدانية في المؤسسة الوطنية للعصير والمصبرات الغذائية، مجلة كلية الإدارة والاقتصاد، المجلد 7، العدد 13، ص179.
[10]- وهيبة، مقدود، (2015)، مرجع سبق ذكره، ص136.
[11]- بيلانت، آندي، (2008)، فن إدارة الموهبة، دار الفاروق للاستثمارات الثقافية، القاهرة، ص123-125.
تابع صفحة المدونة على فيسبوك للحصول على كل جديد
🥇https://web.facebook.com/Mohanad.Alfarhaan🏆