أنماط التعلم التنظيمي: التعلم مفرد الحلقة

بعد أن تكلمنا في المقالة السابقة عن موضوع مستويات التعلم التنظيمي، سنكمل الحديث في المقالتين التاليتين عن أنماط التعلم التنظيمي (مفرد الحلقة وثنائي الحلقة)، وسنبدأ بالحديث في هذه المقالة عن نمط التعلم التنظيمي مفرد الحلقة.

أنماط التعلم التنظيمي

في كثير من الأحيان، عندما يتقيد الموظفين بالقاعدة التي تقول “اخفي الأخطاء” فهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم ينتهكون قاعدة أُخرى تقول “اكشف الأخطاء”، ومهما كانت القاعدة التي سيختارونها فهم يخاطرون بالدخول في مشكلة، فإذا قاموا بإخفاء الخطأ يمكن أن يتم معاقبتهم من قبل المستويات الأعلى إذا تم اكتشاف الخطأ، وإذا قاموا بكشف الخطأ فذلك سيؤدي إلى مخاطر فضح شبكة كاملة من عمليات التمويه (camouflage) والخداع (deception)، وهنا يكون الموظفين أمام خياران صعبان (double bind)، فمهما فعلوا ما يعتقدون أنه ضروري إلا أنه قد يكون عائق أمام إنتاجية المنظمة، حتى أن تصرفاتهم قد تكون غير مرغوبة منهم شخصيًا[1]، وهذا ما يقودنا إلى موضوع أنماط التعلم التنظيمي.

تعددت آراء الباحثين في الإشارة إلى أنماط التعلم التنظيمي، وهذا لم يمنع من الاتفاق على وجود نمطين (نوعين) أساسيين للتعلم التنظيمي؛ حيث يشير الباحثين إلى أن نمط التعلم التنظيمي هو السمة المميزة الحاسمة بين المنظمات، وقد تعددت التسميات التي تدل على أنماط التعلم التنظيمي؛ حيث أشار (أرجريس وشون) إلى التعلم مفرد الحلقة (Single Loop) والتعلم ثنائي الحلقة (Double Loop)، بعدها تم الإشارة إلى هذان النوعان تحت مسمى التعلم الصياني (Maintenance) والتعلم الابتكاري (Innovative)، ومن ثم تعلم المستوى المنخفض (Lower Level) وتعلم المستوى المرتفع (Higher Level)، وبعدها التعلم التشغيلي (Operational) والتعلم المفاهيمي (Conceptual)، ثم ظهرت تسميتا التعلم التكيفي (Adaptive) والتعلم التوليدي (Generative) على يد بيتر سينج. [2]

سنتعرَّف في الجزء الأول من هذه المقالة على التعلم مفرد الحلقة، وسنتحدث في الجزء الثاني من المقالة على التعلم ثنائي الحلقة.

1- التعلم مفرد الحلقة

إحدى المصاعب الموجودة في المنظمات أن الطبيعة البشرية قد تكون مجبولة على تقبل الجو الذي ينطوي على الخداع، فمثلًا: قد لا يقوم (A) بإخبار (B) بأنه أو أنها ستتصرف بشكل مؤذي اتجاهه، كما أن (C) لن يخبر (D) بأنه سيوصل معلومات مُحرَّفة له، وأيضًا (E) لن تخبر (F) بأنها تقوم بمجرد مجاملته، ومع ذلك فإن جميع الأشخاص السابقين يعلمون بأنهم والآخرين يتصرفون بهذه الطرق، وأنه من السلوكيات المقبولة أن يتصرفوا وكأنهم ليس لديهم أي علم بوجود مثل هذه الأنشطة السلبية (التي قد تكون مقبولة ومريحة لبعضهم ضمن النموذج مفرد الحلقة)، ومثل التجارب السابقة تجعلنا نفهم سبب الصعوبة التي يواجهها الأفراد المعتادين على النموذج مفرد الحلقة عند محاولتهم القيام بأي تغيير[3]. وهنا أشار أرجريس إلى ما أسماه “الألعاب البشرية” (human games)؛ حيث أشار إلى أن أحد الطرق المعروفة لتخفيض التوتر الناتج عن الأهداف أو التوجهات المتعارضة (conflicting aims) هو الاعتقاد بأن إخفاء الأخطاء، الخداع، والألعاب هي أمور معتادة في المنظمة، وفي اللحظة التي يصل فيها الأفراد إلى هذه الحالة قد يفقدون قدرتهم حتى على رؤية الأخطاء، وهذا أحد الأسباب لانزعاج بعض الموظفين وتفاجئهم عندما يتم اتهامهم بالتصرف بلا مبالاة من قبل الجهات (غالبًا من خارج المجموعة أو المنظمة) التي اكتشفت الممارسات الطويلة بإخفاء الأخطاء، فالذي يحدث هو أن الأشخاص يقومون بتزويد بعضهم بمعلومات منقوصة ومحرفة، وكل منهم يعلم بهذا الأمر، وكل منهم يعلم أن الآخرين يعلمون بهذا، وكل منهم يعلم أن هذه اللعبة عادة ما تكون غير قابلة للنقاش، وعليه فإن هذه الألعاب يقوم بها الأفراد لكي لا يزعجوا بعضهم، ومع الوقت قد تصبح هذه الألعاب معقدة وتنتشر بسرعة عبر المنظمة مما يجعلها عاملًا أساسيًا في إعاقة التعلم التنظيمي، فمثلًا عندما لا يستطيع موظفي البحث والتطوير من الالتزام بالجداول الزمنية المحددة لهم، فإنهم يحاولون اقناع الإدارة العليا بأنهم على الأقل قد حققوا تقدمًا في العمل، كذلك هناك لعبة التهرب من الفشل وإلصاقه بالآخرين، وهناك أيضًا لعبة بدء أزمة معينة للحصول على الانتباه، ومن ثم محاولة الحصول على المزيد من الموارد وهكذا[4].

وعليه فالنمط مفرد الحلقة هو التعلم الفعال الذي يغير استراتيجيات العمل أو الافتراضات التي تقوم عليها الاستراتيجيات دون تغيير القيم التي تقف وراء الافتراضات أو الاستراتيجيات (شكل 1)[5]، ومثال على ذلك هو عملية تحديد عيب معين في الإنتاج وتصحيحه لاحقًا؛ حيث يقوم المهندسون بتعديل مواصفات المنتج لتجنب العيوب في المستقبل (وهنا تتحقق حلقة تغذية مفردة)، فالتعلم مفرد الحلقة يقارن المشاكل الموجودة مع الافتراضات والاستراتيجيات لتطوير حل كافي ومؤقت[6]، وفي هذا النمط يتصرف الأفراد بدرجة عالية من التفرد بالرأي وكذلك بدرجة عالية من محاولة التسلط على الآخرين من أجل الفوز؛ حيث ينظر إلى أي استفسار يقوم به الفرد على أنه ضعف، فغالبًا ما تظهر أقليّات متشددة (militant minorities) تتبع تكتيك رابح-خاسر (win-lose tactic)[7]، وعليه أشار الباحثين إلى أنه لن يكون هناك تغييرات وتحسينات للعمليات؛ بل من الممكن ومع الوقت أن يؤثر هذا النمط سلبًا على عملية تعلم الموظفين لأن الأنشطة تكون روتينية ومكررة وبدون أي إبداع وابتكار[8].

ويمكن القول بعبارة أخرى أن هذا النمط من التعلم يقود إلى تطوير بعض الارتباطات الأولية بين السلوك والنتائج، ولكنها عادة ما تكون قصيرة الأجل وتؤثر فقط على جزء محدد من نشاط المنظمة، فهذا التعلم ناتج عن التكرار والروتين ويركز على التأثير الفوري في نشاط محدد أو جزء محدد في المنظمة، وهنا ننوه إلى ضرورة تجنب الخلط بين هذا النمط والمستوى التنظيمي المنخفض (الإدارة الدنيا)؛ حيث تشارك جميع مستويات المنظمة في هذا التعلم وبدرجة أكبر مستويي الإدارة الدنيا والوسطى[9].

شكل رقم (1): أنماط التعلم التنظيمي

أنماط التعلم التنظيمي
المصدر: (Argyris and Schon, 1996)

المصادر

المصدر الأساسي للمقالة هو /الفرحان، مهند. (2022). دور تقنية التحسين المستمر في عملية التعلم التنظيمي: دراسة تطبيقية على قطاع صناعة الأجهزة الكهربائية. رسالة ماجستير، كلية التجارة – جامعة المنوفية./ يمكن الحصول على ملخصها من هنا.

[1] Argyris, C. (1977). Double loop learning in organizations. Harvard business review, September-October.

[2] Morrison, M. and Marriott, F. (1994). In Searching of Learning Organizations Within the Australian Hotel Industry: Implications and Issues. International System Dynamics Conference, p16.

[3] Argyris, C. (1976). Single-loop and Double-loop models in research on decision making. Administrative science quarterly, September (21).

[4] Argyris, C. (1977). OPCIT.

[5] Argyris, C. and. Schon, D. (1996). Organizational learning II: Theory, method, and practice (2nded). Reading, Ma: Addison-Wesley.

[6] Basten, D. and Haamann, T. (2018). Approaches for organizational learning: A literature review. SAGE Open.

[7] Argyris, C. (1976). OPCIT, p370-371.

[8] Claudia, G. et al. (2020). Organizational learning model (olm) for small and medium-sized enterprises (SMEs): the manufacturing industry case in Chile and Colombia. Revista ESPACIOS, 41(1).

[9] Fiol, M. and Lyles, M. (1985). Organizational learning. Academy of management.

المقالة التالية: التعلم ثنائي الحلقة

مقالة التعلم ثنائي الحلقة
نموذج الاشتراك

يمكن الاشتراك لتلقي آخر التدوينات فور نشرها بالإضافة إلى تحميل جميع محتويات المدونة الحالية عبر ملف مضغوط واحد:

*-يُرجى تفقد البريد الوارد أو البريد غير الهام والاشتراك لمتابعة المدونة، بعدها سيتم إرسال جميع محتويات المدونة برابط عبر البريد الإلكتروني المسجل به.

مشاركة المقالة

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم

اكتشاف المزيد من مدونة فرحان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

مواصلة القراءة