مستويات التعلم التنظيمي

بعد أن تكلمنا في المقالة السابقة عن موضوع مفهوم التعلم التنظيمي، سنكمل الحديث في هذه المقالة عن مستويات التعلم التنظيمي.

مستويات التعلم التنظيمي

بات التعلم الفردي والتعلم التنظيمي _في سياق الثورة الصناعية الرابعة_ سمة إلزامية لإدارة العمليات الصناعية المعقدة، والتي تتضمن مهام مختلفة يتم تنفيذها داخل وعبر المنظمات بواسطة شركاء مختلفين في مناطق جغرافية متباعدة[1]. ومن المعترف به عمومًا أن التعلم التنظيمي ليس ببساطة مجموع تعلم الأفراد، ومن ناحية أخرى فالمنظمات لا تستطيع أن تتعلم بدون التعلم الفردي، وهذا ما يتطلب عملية تحويل تعلم المستوى الفردي إلى تعلم المستوى التنظيمي[2]. وهنا أشار الباحثين إلى أن التعلم متعدد المستويات ينتقل باتجاهي التغذية الأمامية (Feed forward Learning) والتغذية العكسية (Feedback Learning)، فتعلم التغذية الأمامية يساعد على استكشاف معارف جديدة من قبل الأفراد والفرق، ومن ثم القيام بمأسسة (إضفاء الطابع المؤسسي) هذه المعارف في المستوى التنظيمي، ومن ثم فهو ينتقل من الأفراد إلى الجماعات ثم المنظمة. أما تعلم التغذية العكسية فهو يساعد على استغلال المعارف الموجودة (في المستوى التنظيمي) جاعلًا إياها مُتاحة للجماعات والأفراد أي ينتقل التعلم بالاتجاه المعاكس انطلاقًا من المستوى التنظيمي باتجاه الجماعات فالأفراد[3]. وعليه يمكن القول أن التعلم التنظيمي يتم ضمن ثلاثة مستويات في الهرم التنظيمي: المستوى الفردي، المستوى الجماعي، والمستوى التنظيمي[4]، ويمكن الإشارة إليها فيما يلي:

1- مستوى التعلم الفردي

يعتمد التعلم التنظيمي على تعلم البشر، فالبشر يتعلمون بشكل مستمر وبكل الأوقات ويقومون باستشعار بيئتهم بالإضافة إلى استشعار عملياتهم الداخلية، ومن ثم يقومون بالربط بينهما، وعليه فهم يقومون بإعطاء معنى للبيئة ومعنى لأنفسهم باعتبارهم جزء منها، ومن ثم يسعون لإحداث تأثير في كلاهما، فتصورات الأفراد وتفسيراتهم وتجاربهم داخل وخارج المنظمة لها تأثير هام على التعلم[5]. وبما أن أفراد المنظمة يعتمدون على بعضهم، فتعلم كيفية تنسيق أنشطتهم هو عنصر هام للتعلم التنظيمي[6]؛ حيث يتعلم الأفراد عبر الحوارات والاستفسارات في المستوى الفردي، وعليه يكون التعلم الفردي مهم ولكنه غير كافي لوحده للتعلم التنظيمي، فالأفراد قادرين على زيادة مقدرات التعلم التنظيمي نتيجة لتجارب تعلمهم الفردي إذا قامت منظماتهم بتوفير فرص التعلم المستمر بالإضافة إلى تقديم الدعم والمكافأة لاستخدام المعارف الجديدة[7]، وبعبارة أُخرى يقتصر تأثير التعلم الفردي على المستوى الفردي إذا لم ينتج عن التعلم تغييرًا في سلوكيات الأفراد، وعليه يمكن للمنظمة أن تستفيد من التعلم الفردي عندما يتم مشاركته ومناقشته وممارسته بشكل مشترك[8].

هذا المستوى من التعلم يركز على توليد بصائر جديدة، القيام بأفعال تلقائية (مجربة بطبيعتها)، تجاوز طرق التفكير التقليدية في مسعى لرؤية الأشياء بطرق جديدة ومختلفة، مسح البيئة الخارجية، تطوير المقدرات اللازمة لأداء مهمة ما، امتلاك شعور الفخر والملكية للعمل، الانتباه للقضايا المهمة التي تؤثر على عمل ما، ويعرف بأنه: الكفاءة والقدرة والدافع للقيام بمهمة محددة[9].

2- مستوى التعلم الجماعي

لن تنتشر المعرفة المتولدة من قبل الأفراد لوحدها في المنظمة وعليه فالتعلم التنظيمي لن يكون كاملًا إذا لم يتم مشاركة المعلومات وتطوير معاني مشتركة[10]، وهنا تُعتبر الفرق المصانع المحركة القادرة على تحويل التعلم الفردي إلى تعلم تنظيمي، بشرط أن يتم منحها استقلالية واسعة النطاق؛ حيث يمكن للفرق أن تشارك أفكار ومعتقدات الأفراد والتي على أساسها يتم خلق الرؤى والأهداف والغايات للمنظمة[11]، ففي مستوى الفريق يتم تحويل الأفكار الفردية إلى معرفة والتي بدورها تمتد داخل البيئة التنظيمية مما يُسهِّل من التعلُّم المستقبلي[12].

التعلم الجماعي يتضمن مشاركة تفسيرات الأفراد لتطوير فهم مشترك، وهنا من الأفضل استخدام عبارة “تعلم الجماعة” (group learning) للتعبير عن هذه العملية أكثر من العبارة الأكثر شيوعًا “تعلم الفريق” (team learning) لأنه في كثير من الحالات لا يكون هناك فريق؛ لكن بكل بساطة مجموعة من الأفراد الذين يجهدون لتطوير معاني مشتركة، والتعلم الجماعي يتضمن أيضًا عناصر مثل: العمل بكفاءة ضمن المجموعات، اجتماعات منتجة، الأفراد المناسبين لتحديد المشاكل، العناصر الأساسية للحوار بما فيها القابلية لمشاركة كلًا من النجاحات والأخطاء، تشجيع التنوع، حلول فعالة للصراع[13].

3- مستوى التعلم التنظيمي

بالرغم من أن التعلم الاجتماعي من قبل الأفراد يمكن أن يسهم في التعلم التنظيمي، إلا أن التعلم التنظيمي هو أكثر من مجرد تجميع تعلم الأفراد[14]؛ حيث يمكن القول أن التعلم الفردي والتعلم التنظيمي يعتمدان على بعضهما البعض، ولكنهما ليسا نفس الشيء، حتى لو كان الأفراد الذين يتعلمون هم أعضاء ضمن المنظمة، فهناك الكثير من الحالات التي تكون فيها معرفة المنظمة أقل من معرفة أفرادها مجتمعين[15]، فالتعلم التنظيمي ليس ببساطة هو التعلم الناتج عن الأفراد والجماعات، فهناك أيضًا دور للمنظمة ككل، فمثلًا، تلتقط هياكل المنظمة الفهم الذي تم تطويره عبر الزمن والمتعلق بطبيعة الأعمال وكيف يجب إدارتها، فالنظم والإجراءات هي أدوات تستخدم للتعرف على البيانات التي تم اكتسابها وأين يجب توجيهها[16].

لقد أشارت الدراسات إلى أن هناك حاجة للتعلم على مستوى المنظمة، وهنا ظهرت وجهتا نظر حول طبيعة التعلم على مستوى المنظمة، فاعتبر بعض الباحثين أن المنظمة هي تشكيلة من الأفراد (human perspective)، بينما اعتبر آخرون أن المنظمة هي تشكيلة من النظم، الهياكل والإجراءات (non-human perspective)، وبالنسبة لوجهة النظر الأولى ظهر تساؤل حول من هم المقصودين تمامًا بالأفراد؟ هل هم جميع الأفراد في المنظمة أم هم فقط الأفراد في الإدارة العليا. كما أشارت الدراسات إلى أن المستوى التنظيمي هو أكثر من مجرد الفهم المشترك على نطاق واسع؛ لكنه يمثل ترجمة هذا الفهم المشترك على شكل منتجات، عمليات، إجراءات، هياكل وربطها مع السياق الاستراتيجي. فالعناصر غير البشرية للمنظمة هي التي تبقى حتى لو غادر الأفراد، فتعلم المستوى التنظيمي يشمل تضمين التعلم الفردي والجماعي في العناصر غير البشرية للمنظمة مثل: النظم والهياكل والإجراءات والاستراتيجية[17].

ويمكن القول أن جميع مستويات التعلم مهمة، إلا أن مستويي التعلم الجماعي والتنظيمي لها ارتباط أكبر مع المعرفة والأداء مقارنة بالتعلم الفردي، فالتعلم الفردي مهم ولكن يجب مشاركة التعلم وتحويله إلى تعلم جماعي وتنظيمي لقيادة الأداء التنظيمي[18]. وبالإضافة إلى مستويات التعلم السابقة، أشارت الدراسات إلى أن التعلم يمكن أن يحدث بين الشركات وداخل الشبكة أو الصناعة؛ حيث يمكن لتجميع المنظمات مع بعضها أن يؤدي إلى تعلم تكنولوجيا جديدة واستراتيجيات ناجحة[19].


المصادر

المصدر الأساسي للمقالة هو /الفرحان، مهند. (2022). دور تقنية التحسين المستمر في عملية التعلم التنظيمي: دراسة تطبيقية على قطاع صناعة الأجهزة الكهربائية. رسالة ماجستير، كلية التجارة – جامعة المنوفية./ يمكن الحصول على ملخصها من هنا.

[1] Belinski, R. et al. (2020). Organizational learning and Industry 4.0: Findings from systematic literature review and research agenda. Benchmarking: An international journal, 27(8).

[2] Winbin, N. and Hongyi, S. (2009). The relationship among organizational learning, continuous improvement and performance improvement: An evolutionary perspective. Total Quality Management, 20(10).

[3] Wiewiora, A. et al. (2020). Individual, project and organizational learning flows within a global project-based organization: exploring what, how and who. International journal of project management, (38).

[4] Kaur, N. and Hirudavaraj, M. (2021). The role of leader emotional intelligence in organizational learning: A literature review using 4I framework. New horizons in adult education & human resource development, 33(1).

[5] Ifenthaler, D. et al. (2021). Digital transformation of learning organizations. eBook, Springer.

[6] Argote, L. et al. (2020). Organizational learning processes and outcomes: Major findings and future research directions. Management Science, Articles in Advance.

[7] Choi, I. (2019). Moving beyond mandates: organizational learning culture, empowerment, and performance. International journal of public administration.

[8] Ifenthaler, D. et al. (2021). OPCIT.

[9] Bontis, N. et al. (2002). Managing an organizational learning system by aligning stocks and flows. Journal of management studies.

[10] Crossan, M. et al. (1995). Organizational learning: Dimensions for a theory. The international journal of organizational analysis, 3(4).

[11] Ifenthaler, D. et al. (2021). OPCIT.

[12] Kaur, N. and Hirudavaraj, M. (2021). OPCIT.

[13] Bontis, N. et al. (2002). OPCIT.

[14] Argote, L. et al. (2020). OPCIT.

[15] Ifenthaler, D. et al. (2021). OPCIT.

[16] Crossan, M. et al. (1995). OPCIT.

[17] Bontis, N. et al. (2002). OPCIT.

[18] Sheng, Z. et al. (2020). Examining schools as learning organizations: an integrative approach. The learning organization.

[19] Bapuji, H. and. Crossan, M. (2004). From questions to answers: reviewing organizational learning research. Management learning, 35(4).

المقالة التالية: التعلم مفرد الحلقة

يمكن الاشتراك لتلقي آخر التدوينات فور نشرها بالإضافة إلى تحميل جميع محتويات المدونة الحالية عبر ملف مضغوط واحد:

*-يُرجى تفقد البريد الوارد أو البريد غير الهام والاشتراك لمتابعة المدونة، بعدها سيتم إرسال جميع محتويات المدونة برابط عبر البريد الإلكتروني المسجل به.

مشاركة المقالة

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم

اكتشاف المزيد من مدونة فرحان

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

مواصلة القراءة